احقاق العدالة الاجتماعية .. مفترق طرق

{title}
أخبار الأردن -

ريم أبو حسان

إذا كان ھناك من جانب إیجابي لازمة جائحة الكورونا فإنه یتمثل في التذكیر وبقوة بالأھمیة الحاسمة التي یكتسیھا الاستثمار في منظومة الحمایة الاجتماعية؛ وهذا ما يقف الاردن فيه اليوم على مفترق طرق فيما یخص مسار الحماية الاجتماعية لديه في ظل قيود مالیة كبرى وتحديات اقليمية وعالمية كثيرة.

والان؛ وبعد انتهاء الجائحة نقف امام خيارين: إما أن نستمر في اتباع استراتیجیة "رئیسیة" في الاستثمار في تعزيز الحماية الاجتماعیة أو اتباع استراتیجیة "ثانویة" في توفیر الحد الأدنى من الخدمات، تحت تأثیر هذه الضغوط المالية والسياسية.

وبعد أن دخل الأردن المئوية الثانية؛ وبالتوجيهات الملكية في مسارات التحديث الثلاث السياسية والاقتصادية والادارية فإن حجز الزاوية لهذا التحديث يتمثل في تحسين نوعية الحياة من خلال تطوير منظومة الحماية الاجتماعية، فوفقاً إلى إحصاءات منظمة العمل الدولية يفتقر 4 مليار شخص في أنحاء العالم كله إلى الحماية الاجتماعية، اذ لا ينعم إلاّ 29% من سكّان العالم بتغطية كافية من خلال الضمان الاجتماعي فيما يفتقر 55% منهم إلى أيّ شكل من أشكال التغطية على الإطلاق.

تشكّل الحماية الاجتماعية الشاملة ركيزة أساسية لتحقيق مجموعة من أهداف التنمية المستدامة التي حدّدتها الأمم المتحدة، وعلى راسها معايير العمل اللائق من اجل مكافحة الفقر وتقليص حجم التفاوت، ووضع أسس استهداف تأخذ بالاعتبار آليات لدعم الفقير العامل وليس فقط الفئات المهمشة التي تحتاج لدعم مالي وكذلك لخدمات رعاية اجتماعية متنوعة؛ وإدارة حالة من قبل الاخصائيين الاجتماعيين، ومن المرجّح أن يزداد الطلب على نظام الحماية الاجتماعية في ظلّ تغير دور العمل في حياة الأشخاص، اذ يؤدي زوال بعض الوظائف إلى زيادة الحاجة إلى انظمة التأمين ضد البطالة، كما تخضع حاليا برامج التوظيف والتشغيل لضغوط بسبب عدم تطابق المهارات التي يملكها العمّال مع تلك التي يتطلّبها الاقتصاد، يُضاف إلى ذلك الضغوط الناشئة عن ارتفاع معدلات متوسط العمر المتوقع، والتي ستلقي بثقلها على أنظمة التقاعد.

لمواجهة تلك التحديات، أظهرت الوسائل المبتكرة التي طُبقت مؤخراً أنّ منظومة الحماية الاجتماعية مرنة قابلة للتعديل والاقتراب أكثر من تحقيق التغطية الشاملة، فقد اعتمدت عدد من البلدان ومنها الأردن اليات تكفلت بتوفير الدعم المالي والحماية الاجتماعية باستخدام الاتصالات الرقمية والإجراءات الآلية للتحقق من أنّها مجدية وأكثر فعالية من حيث الكلفة ابان الجائحة مثل المحفظة الالكترونية لتقديم الدعم المالي لعمال المياومة.

يتوجب على المسؤولين اليوم استخدام الخبرة السياسية والفنية التي اكتسبها الأردن اثناء التعامل مع الجائحة؛ ليس فقط في توفير المطاعيم او الجوانب الصحية والتنظيمية المختلفة؛ وانما أيضا في مأسسة وتطوير اليات للحماية الاجتماعية التي اثبتت نجاعتها وخاصة تلك المتعلقة بمساندة عمال المياومة وقطاع العمل غير الرسمي غير المنظم والذي يشكل اكثر ٤٠٪؜ من قطاع العمل؛ ومن خلال مؤسسات رسمية مثل صندوق المعونة الوطنية ومؤسسة الضمان الاجتماعي والسجل الوطني الموحد وصندوق الزكاة وصندوق همة وطن وحساب الخير وغيرها من ال تدابير؛ والتي انبثق عنها برامج متعددة مثل تكافل وتضامن هدفت الى تقویة نظام الحماية الاجتماعیة القائم انذاك لسد الثغرات في الحمایة.

واذا أردنا في الاردن الوصول لحماية اجتماعية شاملة ومستدامة فلابد من استكمال العمل على بناء الارضية المتينة لمنظومة الحماية الاجتماعية من خلال الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية (٢٠١٩- ٢٠٢٥) وتكثيف الجهود وعلى نحو متدرج فعّال لضمان تمتع الجمیع بالحمایة من الكوراث الطارئة؛ وكذلك الحماية من مخاطر دورة الحیاة العادية؛ بحيث نضمن على الأقل مستوى أساسي من الضمان الاجتماعي للجمیع في كل مراحل دورة حياة الفرد، والا فإن البدیل ھو الرضوخ لنھج ثانويّ یخفق في الاستثمارّ في الحمایة الاجتماعیة مما يجعلنا اسرى مسار "تنمیة بشریة متدنیة منخفضة التكلفة"، والذي من شأنه أن یمثل فرصة ضائعة لتعزیز نظام الحماية الاجتماعیة وإعادة تنظیم المجتمعات المحلية من أجل مستقبل أفضل.

علينا جميعا اليوم أن نعلم ان إرساء حمایة اجتماعیة شاملة وإنفاذ حق الإنسان في الضمان الاجتماعي للجمیع يهدف إلى ارساء حجر الزاویة في نھج متمحور حول الإنسان للحصول على العدالة الاجتماعیة بما یُسھم في القضاء على الفقر واحتواء انعدام المساواة وتمكين المرأة والشباب وتعزیز القدرات البشریة والإنتاجیة وتدعیم الكرامة والتضامن والإنصاف وتكافؤ الفرص؛ وجميعها مبادئ مذكورة بصريح العبارة في الدستور الأردني في مرحلة نتحدث فيها عن سيادة القانون.

تابعوا أخبار الأردن على
تصميم و تطوير